19‏/04‏/2013

كيف نحب الوطن


     كثيرةٌ تلك الأقوال والأفعال المتعلقة بحـب الوطـن الذي يرتبط بنبض القلب في الجسد والروح، وهو نابع من مسؤولية الإنتماء، فإن الشعور بالانتماء مترتب على الحب ومن لا حب له لا انتماء له، لذلك ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر ، الأمر الذي يدل على قوة الارتباط وصدق الانتماء. ومن لا يحب وطنه، ويعمل على معاداته، ويخطط لدماره، ويشترك في خلخلة أمنه واستقراره، ويساعد على انهياره فهو خائن، ولا خير فيمن قدم أي مصلحه على بلده، ولا فائدة ممن لم يدرك المعنى الحقيقي للوطنية ومن أين تستمد.

أهميــة ومعنى حـب الوطـن
    إن مفهوم الوطن يعني المكان الذي ننتمي إليه ونعيش فيه ويعيش فينا، إنه  المكان الذي نشأنا على أرضه وارتوينا من ماءه، وتظللنا بسمائه. وتكمن أهمية حب الوطن في النتائج المنعكسة عليه وعلى المجتمع من خلال كافة الممارسات أو المظاهر التي يبعثها كل مواطن سواء كانت سلبية أو إيجابية. حيث أن الممارسات السلبية التي يبعثها الفرد تنعكس سلباً على الوطن وتعيق تقدمه، والعكس صحيح.

   والمهم في الأمر هو ضرورة أن يكون انتماؤنا للوطن عملياً في قلوبنا وأرواحنا ومشاعرنا، نخلص له ونبر به وندرأ عنه الشرور ونتفاعل مع مستلزماته ونهوضه وتطوره تفاعلاً إيجابياً، لأن ثقافة حب الوطن تعني دعم للحس الوطني وتنميته بما يخدم المصلحة الوطنية العامة في أهدافها فهي وسيلة لتأكيد المواطنة وتكريسها وتنمية الولاء والإخلاص وتهيئة المواطن ليكون عضواً نافعاً في بناء وطنه ومجتمعه وواحة مشرقة لوطنه، فحُب الوطن من الإيمان، ومن لا يحب وطنه لا يستحق العيش فيه.

   وبالتالي، فإن أهمية حب الوطن تكمن في النتائج المترتبة على انبعاث المعنى الحقيقي لهذا الحب، والذي يبرز في عدة مظاهر وهي:

1-  التفاني في العطاء لبلدك والإخلاص له:
      وهو شعور الإنسان بولائه وانتمائه للأرض التي يقيم عليها ويشعر فيها بمحله وسكنه ورزقه وحياته وكرامته، وهي أقرب الأشياء إلى قلبه.قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أن اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} (النساء:66) حب الوطن إحساس مرتبط بالشعور بالحب الحقيقي إليه، والوفاء له وتقديم كل غالٍ ونفيس للحفاظ عليه.

2- الإخلاص في العمل وإتقانه
     ويكمن ذلك في العمل بصدق وشرف وإتقان لتعزيز الشعور في دفع البلد نحو رقيه وتقدمه، كلٌ في مجال عمله، والتفاني والإخلاص في خدمته وبنائه، والمحافظة على مكتسباته ومدخراته وممتلكاته.

3- الدفاع عن الوطن
    وهذا الأمر لا ينحصر على القوات المسلحة والأمن فحسب، بل هو مسئولية كل فرد في المجتمع، وذلك عبر التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة.

4- العمل على تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية ووحدة الصف ودرأ الفتنة وما يثير الاختلافات المؤدية إلى تفرقة الجماعة والأمة والعمل على القضاء على أنواع الأمراض الاجتماعية من صناعة الإنسان فلا اختلافات عنصرية أو مذهبية أو فئوية.

5- تعميق مبدأ التعايش
    وهو الاشتراك الحقيقي للأفراد في نهضة الوطن والحفاظ على مستقبله عبر قبول المواطنين لبعضهم البعض وتعاونهم للعيش بأمن وأمان، وعدم تحويل التعدد والإختلاف إلى صراع وخلاف، لأنه لا يمكن لوطن أن يحقق أي نهضة إذا ما تصارع أبناءه، ومن لا يستطيع التعايش مع من يخالفه سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً بل وحتى طائفياً أو دينياً فهـو مجــرد من معنى الإنسانيـة. ولا ننسى أن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- قد جاور يهودياً مؤذياً، وعندما مرض هذا اليهودي قام نبينا الكريم بزيارته.

6- احترام دستور وقوانين الدولة وتطبيقها والمحافظة على تطبيقها واحترام الأنظمة واللوائح التي تنظم شؤون البلاد والعباد لحفظ أمنه واستقراره ونموه وازدهاره.

7- غرس القيم الوطنية في نفوسنا ونفوس أبنائنا وانعكاس ذلك على سلوكياتنا، حيث انه بالقيم تنمو العلاقات الطيبة بين الأفراد ويزيد التعاون فيما بينهم.

8- التطوع للعمل والتفاني في الأداء في المؤسسات الحكومية والأهلية وجمعيات النفع وخدمة المجتمع على كافة الأصعدة وفي أي مجالٍ أو ميدان سواءٌ كان ذلك بالقول أو العمل، لأن هذا واجب الجميع، وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي وبمختلف المجالات.

9- طاعة ولي الأمر والانصياع لأوامره وتطبيق مفهوم السمع والطاعة لولي الأمر بواقع فعلي عملي دون تكابر وعناد وتردد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النِّساء:59) حب الوطن هو المواطنة الحقة وإرساء قيم العدالة والمساواة بين الأفراد.

10- تهذيب النفس وإخضاعها على تطبيق السلوكيات الحميدة والأخلاق الفاضلة وفق تعاليم ديننا الحنيف.قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إنَّما بُعِثْتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق».

طرق ومصادر غرس حب الوطن في النفوس

1) الإسلام:
    وتعد مسألة الوطنية مهمة للغاية ولها مكانتها بالنسبة للإسلام والمسلمين فحب الأوطان من الإيمان، لأن أقدس ثلاثة أشياء في الوجود هي "الديـن، والأرض، والعِـرض" وفي سبيل الله ثم هذه القضايا وجب القتال وكتبت الشهادة.

    وحتى يحقق الإنسان معنى الوطنية، لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً ، ثم الوطن ثانياً ، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن, وقد أظهر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حبه لوطنه وتمسكه به وخير شاهد على ذلك هو الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لمكة) : " ما أطيبكِ وأحبكِ إلي، ولولا أن قومكِ أخرجوني ما سكنت غيركِ ".  (الدر المنثور- السيوطي  ج1/ص300)

2) معرفة التاريخ:
     وبعيداً عن العصبية بأنواعها، إن الإنسان لا يحب إلا شيء يعرفـه، ومن الحماقة أن يحب شيئاً يجهلـه لأن المحبة لا تأتي إلا من المعرفة، فلا يعقل أن تسأل شخص بالحديث عن شيء يحبه فيجيب بأنه لا يعرف، فعندما عرفنا الله أحببناه، وعندما عرفنا الدين والملائكة والرسل والصالحين أحببناهم، وهذا هو الحال في كل شيء.
    ومن هذا المنطلق، فإن معرفة تاريخ البلاد والعباد هي المصدر الأساسي للحب القائم على الفخر والإعتزاز بالحضارات والأمجاد التي تتميز بها الشعوب وتنفرد بها الأمم على مر التاريــخ وفي مختلف العصــور. وبالتالي يظهر الفرد حبه وولائه لبلده ويعمل جاهداً للحفاظ على أمجاده والرقي بحضارته.

3) التعليم والتوعية:
     غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع مثل البيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية، وتعريف كافة فئات وشرائح المجتمع بالنتائج المترتبة على الحب والولاء للوطن والعمل الجاد لتعزيز أمنه واستقراره وتقدمه وازدهاره.

بقلـم الباحـث:
أ/ ياسـر الرضمـي

                           يرجى كتابة المصدر عند نسخ أو نشــر الموضـوع


لمزيـــد من المواضيــع:
يرجــــى تصفـــح إرشيـف المدونـــة – يمين الصفحة